أرشيف

علي محسن الأحمر .. سمحنا له يتفرّج دخل يرقص ! – بقلم : اسكندر شاهر

حاول صاحبي أن يلوي عنق الحقيقة ويضعها تحت المقصلة ، وقال لي : ألم تكن أنت أول من كتب مقالاً -نال الحظوة- في صحيفة الوسط بعنوان (كشف الغموض عن شخصية علي محسن الأحمر) ( صفحة كاملة ) ، قبل سنوات عديدة وفي الوقت الذي لم يكن فيه الرجل قد دخل معمعة الظهور الإعلامي ، ولفت ذلك المقال الأنظار إلى عديد قضايا تحيط بالرجل من علاقته بعلي صالح مروراً بعلاقته بالسلطة والعسكرة والقبيلة وصولاً إلى علاقته بالإسلاميين .



وتبعته بمقال آخر بعنوان ( وفاء علي محسن وخراب مالطا ) ، وهذان المقالان يعتبران – بحسب بعض المراقبين- حجر الزاوية للتخريب بين علي صالح وعلي محسن واللذين أكدت أنت بالمقال بأنه ربط بينهما يمين على القرآن بأن لا يخون أحدهما الآخر .




فلماذا إذاً ، وقد تحقق ذلك تقف اليوم على الضد من الصديقين اللدودين بل وتزيد حدة على (الجنرال) وقد انشق ونكث بيمين الله الذي جمعه بأخيه الذي لم تلده أمه وانضم إلى الثوار ؟! ، بل وأصبح مُحاطاً بأضواء الكاميرات ويقصده السفراء العرب والأجانب ، ويؤمه بعض الثوار والثائرات ليمنحهم صك الشرعية لمجلس انتقالي أو ارتجالي ، (هكذا- بلا وكالة-) عن شباب التغيير والحرية في الشمال المتورط في قتلهم ( و- بلا وكالة أيضاً -) عن شباب التحرير في الجنوب الذين يطالبون بتقرير المصير وتحرير بلادهم التي كان الرجل رأس حربة في احتلالها واستباحتها في 94م .؟!




قلت سأجيب عليك تحديداً فيما خصّ الجزء الثاني من تساؤلك المشروع وسأهمل الجزء الأول لأن المقال الأول كان توصيفياً وتحليلياً أكثر منه مقال رأي ، لقد كان حفراً في جدار المسكوت عنه ليشكّل إضاءة على الرجل تضمنت الجوانب القاتمة والسلبية ولم تخلُ من بعض الجوانب الإيجابية وفقاً لاستقراء آراء مقربين منه وآخرين لهم ارتباط بالمعادلة السياسية والاجتماعية والعسكرية ، فكان المقال أقرب إلى العمل البحثي منه إلى المقال السياسي ، وأشاركك الرأي أنه – ربما – كان إحدى المقدمات التي مهدت الطريق لمقالات كثيرة سياسية تتابعت بعد ذلك واختلط فيها الغث بالسمين حيث وجد بعض الكتاب والكتبة في الموضوع ضالتهم بوصفه مادة للمديح والاسترزاق .




وأما المقال الثاني فقد كان مقالا قصيراً سياسياً بعنوان ” وفاء علي محسن وخراب مالطا ” وهذا ما يمكنني مناقشته معك وفقاً لمعطيات الراهن لنتوصل إلى نتيجة أو إلى ماتريده من تفسير لموقفي الراهن من الرجل وانشقاقه عن النظام وإعلان انضمامه للثورة الشبابية ، خاصة ان خاتمة مقالي كانت على هيئة تساؤل كالتالي : ( فهل يلجأ علي محسن إلى (الحكمة) وهي وسط بين السفه والبله ليبحث عن دائرة وسطى لوفائه لا ينعكس معها الوفاء إلى لعنة تاريخية بعد خراب “مالطا” ؟! ). 



هناك من يفصل بين المبادئ والنتائج وهناك من يجمع بينهما بلا فكاك ، فيقال أتفق معك من حيث المبدأ وأحيانا يقال أتفق معك من حيث النتيجة وثالثة يقال أتفق معك من حيث المبدأ والنتيجة . سيكون لهذا الطرح معنىً مفيداً في ثنايا ما سأورده تالياً .



المقال الذي كتبتهُ في مرحلة الأزمة وقبل الثورة الشبابية بحوالي ثلاث سنوات لا تنطبق عليه أحكام الثورة بكليتها لأنها كانت غاية لم تتحقق ، إن ماورد في ذلك المقال كان محاولة لزعزعة المشهد من داخل النظام في وقت كانت تتسرب فيه أنباء صراع أجنحة لم تبلغ بعد مبلغ اليقين ، هذا اليقين كنا نطلبه قبل قيام الثورة الشبابية لنؤكد بأن النظام يتهاوى من داخله ، لنبني عليه ثورة مرتقبة أو سقوط محتمل لكافة أركان النظام وليس لطرف على حساب آخر فلا يمكن أن نتحدث عن صراع أجنحة فساد في داخل نظام فاسد ومستبد هم أس وأساس فساده ثم نقوم بترجيح كفة فاسد على فاسد آخر ، لنقول بأننا حصلنا على التغيير .



علينا أن نتذكر – بدايةً – بأن صراع بيت الأحمر (السنحانية والعصيماتية ) كان قائماً في إطار أزمة مصالح كانوا جميعا قادرين على إدارتها بالمناورة تارة والصراع الصوتي تارة والحوار الممجوج أخرى ، ولم نكن لنقف مع أحد المتصارعين لسبب بسيط هو أن تغلب أحدهم لا يمنحنا تغييراً بل تبديل ربما يكون أكثر حاجة إلى التطهير ، و كما قالت الباحثة الامريكية سارة فيليبس “يصفّون حسابات قديمة بالانضمام للحركة المعارضة ” .




انشقاق الجنرال علي محسن -جاء متأخراً- أي بعد الثورة التي باتت تهدد النظام كله بعد سقوط نظامي تونس ومصر.





وكانت جريمة جمعة الكرامة التي دقّت ناقوس الخطر الفرصة المواتية للإعلان بحيث يبدو -فعل الانشقاق- مقبولاً لدى الشباب الثائر ( هل كان سينشق لو لم تحدث جمعة الكرامة ؟..



سؤال مشروع أيضاً! خاصة ان الرجل متورط في جرائم قتل بالجملة تتضمن ما هو أبشع من جمعة الكرامة ) وعليه فقد جاء انشقاق الجنرال أشبه بتحصيل الحاصل لاسيما وقد كشفت ويكليكس قبل تلك الجمعة خفايا وأسرار دخلت في عمق الخلل الحاصل في بنية النظام ، إذ كانت كثير من المعطيات تدفعه للانشقاق ولم يفعل .




وليت الأمر قد توقف عند تحصيل الحاصل ، فتطورات الأحداث منذ جمعة الكرامة وحتى اليوم ( من حيث النتيجة ) أكدت أن الانشقاق كان خطوة حتمية لا بد من اتخاذها سواءا لإنقاذ النظام كله أم لإنقاذ المنشق لنفسه ، وبصرف النظر عن المبدأ نتيجة عدم القدرة على محاكمة النوايا إلا أن النتيجة تمثلت في إطالة عمر الثورة التي كانت قاب قوسين أو أدنى من بلوغ استحقاقها الأساسي على أقل تقدير ، ومن حيث النتيجة أيضاً مارست الفرقة ممارسات تشبه ممارسات النظام وأسوأ -بشهادة منظمات حقوقية وصحفيين ومراقبين وثوار – كما أسهمت في اندلاع صراع مسلح على هامش الثورة بل باسم حمايتها وهو أمر مخالف للمبدأ السلمي للثورة الذي يقف له العالم موقف إجلال وإعظام ..





أضف إلى ذلك أن الانشقاق وتبعاته كان سبباً أو غطاءًا لحدوث جريمة محاولة اغتيال صالح ومساعديه في مجمع النهدين مما شكل عبئاً إضافياً للثورة السلمية محلياً وخارجياً ، ولا يمكن أن نغفل بأنه أسهم في إيجاد غطاء معين لعملية العقاب الجماعي الذي اتخذته السلطة سبيلاً للضغط على الثورة والعمل على زعزعة معنويات المواطنين وإشعارهم بخطورة انضمام جزء من الجيش وعدم قدرته على حماية الثورة فضلا عن تقديم الخدمات الإنسانية للثوار ، ومن حيث النتيجة أيضاً كان انشقاق الجنرال بمثابة احتماء له ولفرقته المدرعة بالثورة السلمية بدلاً عن حمايتها كخطوة تكتيكية لمواجهة أي تصعيد عسكري يمكن أن يترتب ، ووفر هذا الاحتماء والاختلاط حججاً تكفيرية لعناصره المتطرفة بغية ضرب الثائرات والثوار ( هنا حدث تناغم بين صالح ومحسن في مسألة الاختلاط ، الأول أهان الثائرات والثاني قام بضربهن) .




ومن حيث نتيجة الانشقاق أيضاً فقد وفرت كل هذه الأجواء غير المستقرة غطاءًا للسلطة لترك الحبل على الغارب لخلايا إرهابية لطالما أديرت من قبل النظام وأجهزته بمافي ذلك الفرقة التي يشرف قائدها على ملف الإسلاميين منذ وقت طويل ( أبين أنموذجاً ) ومنافسة علي محسن لعلي صالح في الدعوى الكاذبة ( الحرب على الإرهاب ) ، من دون حدوث أية مؤشرات تنبيء بنوع من التوبة والشفافية بل تمت مواجهة الغموض بالتستر والتضليل بالكذب ، ويمكن القول ان تصريحات الجنرال عن رعاية النظام للقاعدة هو تكرار لما قاله اسكندر شاهر وغيره عشرات الأشخاص ومئات المرات عبر الفضائيات والصحف فماذا أضاف الجنرال المنشق من حقائق ومعلومات ؟! .



هذا الأمر التعويمي الاستغبائي أتاح للجميع محاربة الإرهاب ( من حيث المبدأ) أي محاربة الشعب ( من حيث النتيجة ) .




وأما محاكمة مسألة الانشقاق لجهة ( حسن النوايا أو سوئها ) فإن إحجام الجنرال عن الاعتذار حتى الآن عن جرائم القتل الجماعي والحروب المتنقلة العبثية التي قادها بشكل مباشر وخاصة احتلال الجنوب وحروب صعدة ( الحوثيون طلبوا منه ذلك ولم يفعل) أمر كاف لتعزيز الصورة النمطية عن الرجل ، وهذا يعني بأنه مؤمن بشرعية تلك الحروب العبثية التي قادها ضد الشعب وبأنه يهرب منها إلى الأمام ( إلى الثورة) .



وأخيراً.. تصدّر الجنرال المُدّعي رغبته بالتقاعد المشهد السياسي والثوري بشكل مباشر وعلني وواضح من خلال الانخراط في عملية تشكيل مجلس انتقالي برعاية منه ثم مجلس وطني دخل فيه بنفسه وشحمه ولحمه ليقود ثورة سلمية، ولم يتوان الجنرال من خلع بزته العسكرية التي التصقت بصورته طيلة فترة عمله ليقوم بإلقاء خطاب ببذلة مدنية وربطة عنق ليقول لنا بأنه مستعد لربط أعناقنا ردحاً من الوقت و لإبراز المشهد كصراع بين ما أسميهم (بقايا النظام) كل ذلك أظهر المشهد سخيفاً جداً ونحن نتابع جدلا تلفزيونيا خطابيا غارقا في استخفاف الثورة ( بين رئيس أحمر سابق في الرياض ورئيس أحمر لاحق في صنعاء) ربما يكون في أحسن أحواله من قبل الأخير محاولة إظهار الغلبة باسم الثورة وبغطاء قبلي ( بيت الأحمر ) أو ماسمي تحالف قبائل وغطاء سياسي ( المشترك ) وأكثر من ذلك ادعاء قيادة الثورة بالمجلس الوطني والاستمرار – عناداً – في هذا الادعاء برغم رفض الجنوبيين والحوثيين والشباب ومعارضة الخارج وبعض أحزاب الداخل ( بل وصل الأمر إلى دفعهم ببعض الأقلام المحسوبة على الجنرال للنيل من الرافضين لمجلسهم الوطني وبخاصة القيادات الجنوبية وبلغ الأمر مبلغاً من التحشيد الشمالي – الجنوبي في محاولة لاستنساخ قوات شرعية أخرى لاحتلال الجنوب المحتل مجدداً ) .



وفي آخر حلقات التهريج نصل إلى آخر تصريح للجنرال الذي لوّح فيه بالحسم العسكري وإمكانية ذلك مما يعني وضع البلاد على عتبة حرب أهلية وحرف الثورة عن مسارها السلمي كلياً للتحول إلى انقلاب عسقبلي وبواجهة سياسية لأحزاب تقليدية غارقة في إخفاقاتها وتبعيتها المفرطة لحزب الإصلاح الذي يطمح إلى الوصول إلى السلطة بأي ثمن وبأية وسيلة بعد أن طال الانتظار وزادت الكلفة التي ادعوا ولايزالون بأنهم يريدون تخفيفها .




كل ذلك كاف ليظهر الصورة بوضوح على أنها “رقص على رؤوس الثعابين ” من جانب و “ضحك على عقول المساكين” من جانب آخر ، وإذا كنا نرفض هؤلاء -حتى لو تابوا- فكيف لو تحول المتفرج إلى راقص ؟! .


صفوة القول :



باختصار .. عندما كنا نتحدث عن مشهد متزعزع في جسد النظام كنا نتحدث عن رغبة حقيقية في سقوط الراقص على رؤوس الثعابين وكل من أسهم في هذا الرقص لأكثر من ثلاثة عقود لا أن نأتي براقص جديد وفوق ذلك من نفس الفصيل والقبيلة واللون .. كنا نريد أن نقول لأركان النظام سابقاً وبقايا النظام لاحقاً ارحلوا جميعاً وكنا في أحسن الأحوال نريد أن نقول لعلي محسن بشكل خاص .. يتفرج !! .. مش يرقص .. !!!! وحتى الثورة التي سمحت له بالانضمام إليها او قبلته على مضض فقد كان ولايزال لسان حالها يقول : “سمحنا له يتفرج دخل يرقص ” كما في المثل الشعبي .




يذكر الروائي والشاعر اليمني (الصديق) علي المقري في روايته الشهيرة (طعم أسود رائحة سوداء) أن فئة المهمشين السود (الأخدام) في الشمال كانوا يتوقون للحرية والانعتاق وتأثروا بالنظام الاشتراكي في الجنوب وفي عهد الرئيس الجنوبي سالم ربيع كانوا يرددون هتافات منها : ” سالمين قُدام قُدام .. سالمين ماحناش أخدام ” وهذا يعني أن لديهم نزعة تحررية منذ ذلك الحين ، فهم خير من بعض المتفيقهين الجدد من دعاة ( المواطفة ) المتساوية التي يريدونها برعاية أحمرية مستبدة وفي هذا الزمن .



شخصياً .. لا يسيئني أن يحكم البلاد مواطن من فئة “المهمشين السود” ( الأخدام في اليمن ) ولكن يُهين كرامتي أن يحكمها -مجدداً- مواطن من فئة “المتسلطين الحُمر” ( الأخدام في السعودية ) .



[email protected]


زر الذهاب إلى الأعلى